كيف تتعامل بذكاء مع الشخص العصبي؟
تعد إدارة التعامل مع الأشخاص العصبيين من المهارات الاجتماعية الأساسية التي يحتاجها الفرد في حياته اليومية، سواء في العمل، في العلاقات الشخصية، أو حتى في المواقف الاجتماعية. تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى عصبية الشخص، والتي قد تشمل ضغوط الحياة، التحديات المهنية، أو حتى المشاكل الشخصية. ورغم أن العصبية هي استجابة طبيعية لبعض المواقف، إلا أنها قد تتسبب في إحداث توتر كبير في بيئة العمل أو المنزل إذا لم تتم معالجتها بشكل صحيح.
فهم أسباب العصبية
أول خطوة نحو التعامل بذكاء مع شخص عصبي هي فهم الأسباب الكامنة وراء هذه العصبية. غالباً ما تكون العصبية نتيجة تراكم مشاعر القلق، الإحباط، أو التوتر. في بعض الأحيان، يكون الشخص العصبي قد مر بتجارب سابقة أثرت عليه وجعلته يتفاعل بشكل مفرط في مواقف معينة. من المهم إدراك أن العصبية ليست دوماً موجهة ضدك شخصياً، بل قد تكون نتيجة لضغط داخلي يعاني منه الشخص.
العوامل النفسية
تعتبر العوامل النفسية من أبرز الأسباب التي قد تساهم في العصبية، مثل الخوف من الفشل، التوقعات العالية من الذات أو الآخرين، أو الافتقار إلى الثقة بالنفس. في مثل هذه الحالات، يحتاج الشخص إلى من يفهم وضعه ويمنحه الدعم العاطفي اللازم.
العوامل الاجتماعية
من جهة أخرى، قد تكون العصبية ناتجة عن ضغوط اجتماعية مثل مشاكل في العلاقات الشخصية أو الصراعات الأسرية. الأشخاص الذين يعيشون في بيئات غير مستقرة أو غير داعمة قد يعانون من صعوبة في التعامل مع التوتر بطرق صحية.
العوامل الصحية
وفي بعض الحالات، قد تكون العصبية ناتجة عن مشاكل صحية معينة، مثل اضطرابات الغدة الدرقية، نقص الفيتامينات، أو مشكلات في النوم. عندما يكون الشخص يعاني من مثل هذه القضايا، قد تتفاقم ردود أفعاله العصبية.
استراتيجيات التعامل مع الشخص العصبي
بعد فهم الأسباب التي قد تؤدي إلى العصبية، تأتي المرحلة التالية وهي كيفية التعامل مع هذا الشخص بطريقة ذكية تراعي مشاعره وتعزز التفاهم. يتطلب هذا الأمر اتباع بعض الاستراتيجيات العملية والذكية التي تساهم في تهدئة الشخص العصبي وتقليل حدة المواقف المتوترة.
1. الاستماع بتركيز
أحد أهم الأدوات التي يمكن استخدامها في التعامل مع الشخص العصبي هو الاستماع الفعّال. عندما يشعر الشخص بأن هناك من يخصص له الوقت للاستماع لمشكلاته أو لمشاعره، فإنه يكون أقل عرضة للاستمرار في الانفعال. يُستحسن عدم مقاطعته أثناء حديثه، بل يجب الاستماع له بهدوء مع إظهار الاهتمام من خلال لغة الجسد أو الردود القصيرة التي تدل على أنك فهمت ما قاله.
2. الحفاظ على هدوئك
عندما يكون الشخص الآخر في حالة من العصبية، من السهل أن تنتقل هذه العصبية إليك. ومع ذلك، إذا حافظت على هدوئك وتحدثت بصوت منخفض ومريح، فإن ذلك قد يساعد في تقليل حدة الموقف. من المهم أن تتجنب رفع صوتك أو الرد بحدة، لأن ذلك قد يزيد من حالة الانفعال لدى الطرف الآخر.
3. استخدام لغة جسد هادئة
لغة الجسد تلعب دورًا كبيرًا في التواصل غير اللفظي. عندما تتعامل مع شخص عصبي، يُفضل أن تحافظ على وضعية جسد مفتوحة وغير عدوانية. تجنب وضع يديك في جيبك أو عبور ذراعيك، فهذا قد يُفسر على أنه رفض أو عدم اهتمام. استخدم إشارات ودية ومطمئنة مثل الإيماء برأسك أو الحفاظ على اتصال بصري غير مُكثف.
4. تجنب المواجهة المباشرة
في حالات العصبية الشديدة، قد لا يكون الوقت مناسبًا للمناقشة العميقة أو تقديم النصائح. في مثل هذه الأوقات، يفضل تجنب الدخول في مواجهات مباشرة قد تؤدي إلى تصعيد الموقف. بدلاً من ذلك، يمكن أن تكون الجمل القصيرة المهدئة مثل “أنا هنا إذا أردت التحدث” أو “أفهم ما تشعر به” مفيدة في تخفيف التوتر.
5. تقديم الدعم بدلاً من النقد
إذا كنت في موقع يسمح لك بتقديم ملاحظات، فمن الأفضل أن تركز على تقديم الدعم بدلاً من انتقاد سلوك الشخص. يمكن أن يكون التركيز على ما يمكن فعله لتحسين الوضع أو تقديم المساعدة مفيدًا أكثر من لوم الشخص على تصرفاته. على سبيل المثال، بدلاً من قول “أنت دائمًا عصبي”، يمكن أن تقول “أفهم أن هذا الموقف صعب عليك، هل يمكنني مساعدتك في حل المشكلة؟”
6. تحديد حدودك الشخصية
بينما من الضروري أن تكون متفهمًا للشخص العصبي، إلا أنه من المهم أيضًا أن تحدد حدودك الشخصية. لا يجب أن تسمح لأي شخص بأن يعبر عن عصبيته على حساب راحتك النفسية. إذا شعرت أن الشخص بدأ في استخدام لغة جارحة أو تجاوز حدود الاحترام، من حقك أن تطلب منه التوقف عن ذلك بأسلوب هادئ، مثل: “أنا هنا للاستماع إليك، لكنني لا أستطيع قبول الإساءة”.
7. محاولة تحويل التركيز إلى الحلول
بدلاً من الوقوع في دائرة من الشكوى المستمرة، حاول تحويل النقاش إلى حلول عملية. على سبيل المثال، إذا كان الشخص العصبي يعبر عن استيائه من مشكلة معينة، يمكنك مساعدته في استكشاف الحلول الممكنة أو تقديم مقترحات عملية للمضي قدمًا.
8. اعترف بمشاعر الشخص
التأكيد على مشاعر الشخص العصبي يمكن أن يكون له تأثير كبير في تهدئة الموقف. بمجرد أن يشعر الشخص بأنه مفهُوم ومعترف بمشاعره، فإنه يصبح أكثر استعدادًا للاستماع إليك. على سبيل المثال، يمكنك أن تقول “أفهم أن هذا الأمر يسبب لك الكثير من القلق” أو “من الواضح أنك متوتر بسبب هذه المسألة”.
9. وضع وقت للتنفس والتهدئة
في بعض الحالات، قد يكون من الأفضل إعطاء الشخص العصبي الوقت والفرصة ليهدأ قبل العودة لمناقشة الأمور. قد يتطلب الأمر بعض الوقت بعيدًا عن الموقف لتهدئة الأعصاب قبل أن تتمكن من حل المشكلة بشكل منطقي وعقلاني. خلال هذا الوقت، يمكن لكل من الطرفين التفكير في الموقف دون الضغط النفسي.
تحفيز الشخص العصبي على إيجاد طرق للتعامل مع مشاعره
في بعض الحالات، قد يساعدك تقديم بعض الأفكار حول كيفية التعامل مع العصبية. قد تفتح مثل هذه المحادثات آفاقًا للشخص العصبي حول تقنيات يمكن أن تساعده في التحكم في مشاعره. من الممكن أن تقترح عليه تقنيات التنفس العميق، التأمل، أو ممارسة الرياضة كوسيلة للتخفيف من التوتر. يمكن أيضًا تشجيع الشخص على التحدث مع مختص إذا كانت العصبية تمثل مشكلة مستمرة في حياته.
بناء علاقة قائمة على الاحترام المتبادل
من أجل التعامل بذكاء مع الأشخاص العصبيين على المدى الطويل، يجب أن يتم بناء علاقة قائمة على الاحترام المتبادل والفهم العميق. يجب أن يكون لديك الوعي الكافي بأن العصبية ليست شيئًا دائمًا في الشخص، بل هي استجابة لمواقف حياتية قد يمر بها. عندما يتم فهم هذه النقطة، يصبح التعامل مع الأشخاص العصبيين أكثر مرونة وسلاسة.
بذلك، يصبح الشخص العصبي جزءًا من بيئة اجتماعية أو مهنية يسهل التعامل معها دون التعرض للتوتر أو الاضطرابات المستمرة.
